صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية 

منذ 2 ساعة و 1 دقيقة 0 20 0
بنت الرجال تصبر الجزء (٢)
بنت الرجال تصبر الجزء (٢) إستمع للمحتوى

 

الكاتبة ـ مريم سليمان الجهني . 


 

قبل أن نبدأ المقال نريد أن نروي حكاية … كان هناك ظلُّ طويل يمتد على طريق ٍخالٍ من الرفاق … ظلُّ رجلٍ. تطارد خطواته محنة لا يعرف مداها ، وقلب امرأة تضيء العتمة كلما أنطفأ سراجها . لم يكن في القصة صخب ولا معجزات ظاهرة . بل صمت يشبه امتحاناً كُتب على قدرين ارتبطا بميثاق التف حولهما فصارا معاً في البلاء ميزاناً يظهر من يبقى لا من يأتي وهناك . .. في ذلك الفراغ الذي تركه الناس ، بدأت أعظم حكاية وفاء تُروى ، نقتدي به ونتقلد وسامها شرفاً لكل انثى ونقول هنا بنت الرجال تصبر وتمضي على خطى رحمة زوجة أيوب (واسمها حسب ماورد شيوعاً بالمصادر الإسلامية) وتمضي على خُطى أيوب عليه السلام كجدول صافٍ واسع الرضا ، تحرسه نعمُ لا تُعد ، بيت واسع وصحة كالجبال ومال يفيض على درب الضعفاء وكانت زوجته رفيقة الروح تشبه النسمة التي تمر على القلب فتمكث ثم شاء الله أن يبتليه ليختبر صدقه وصبره فتساقطت النعم واحدة تلو الأخرى، المال ذهب والولد غاب والصحة نُحلت حتى صار جسده الهامد كغصنٍ. ضعيف يلوّح للريح لكن قلبه … بقي عامراً باليقين نتحدث ياسادة عن قدوة بنت الرجال زوجة أيوب عليه السلام .

 كانت بجانبه تتقدم نحو البلاء قبله وتعود منه أقوى هي التي حملت عنه أثقال المرض وأطعمته حين لم يعد يقوى ومسحت عن جبينه الوجع فكان اخف الماً ومع مرور الوقت اشتد البلاءحتى البيت يُباع وكل شيء انهار لكن الوفاء جداره أقوى مِن الإنهيار . خرجت تبحث عن عمل بيديها تخدم ، تمارس اعمالاً شاقة ، لم يتعرف عليها جسدها؛ لتعود بالمساء بكسرة خبز ؛ تسند بها زوجها. وحين قل آلعمل وضاقت السبل ، وبلغ بها العوز اقصاه باعت إحدى ضفائرها ؛ وهي أغلى ماتملك لتحضر قوتاً لسترها . وعادت في يومٍ آخر ، تبيع الأخرى تمشي ورأسها خفيف ، لكن قلبها أشد امتلاءًا بالحب والوفاء ومن منا لايعرف قصة أيوب عليه السلام ؟ وبعد امتحان شديد نجا منه . جاء فرج السماء سريعاً انبجس ماء تحت قدميه فاغتسل ؛ فصح جسده وشرب فعادت إليه العافية فبكت فرحاً هذه المرة وعادت الحياة وهي تشبه الفجر بعد ليل الشتاء الطويل ، كلنا بحول الله نساء أمة محمد عليه السلام نقتدي بسنته ، وصبر ايوب وزوجته هو ذلك الصبر المحمود الذي يُروى في الكتب بل يُكتب على هيئة رجل وامرأة جمعتهما الأقدار وارتفع ميثاقُّ غليظ فصارا كجناحين لا يرتفعا لطيران إلا معاً . هي بنت الرجال … التي حملت وهناً على وهن ، سمعت تكسير ضلوعها لتهديه ولداً من صلبه ليشدُّ به صلبهَ .

 امرأة اثقلها الطّلق .

ومزق أحشاءها الألم لكن نهضت وابتسمت وربت وغرست بقلوب أبنائها بر ابوهم حباً وتقديراً .

 هي بنت الرجال … تولد في قلبها مساحات من احتمال لا يشبه الشك وتشبّ على يقين بأنّ الرجل الذي اختاره الله وطنها لا يهجر ، هو سترها الذي لا يرفع ، وكتفها الذي لا يميل هو بعينها أب يغمس كرامته جهداً ليطعم أبناءه لقمة طيبةً هنية هو حس بيتها ونور يُضيء طريق أبنائها وحين يتعثر الطريق بالرفيق …. تقف بنت الرجال تحمل قلب زوجة وحنان أم وعطف أخت تربت على رفع قدره والإحساس بحاجته قبل أن ينطق بها . تسنده إن دق ناقوس الفقر أبوابهم وتقول بنبضها قبل كلماتها أنت كنز البيت الذي لا يفنى وصوتك غذاء أرواحنا ونظرة من عينيك زادٌ لنا ، صبرك أمانً ، وضعفك سند لنا، وحين يختل جسده في ضعف لو كان مرضا ؛ تقف فوق الوجع بلسماً صامداً تُمسك بيده حين ترتخي الأيدي ، تحرك أطرافه حين تموت الصحبة ، تمد له يداً لاتذل كرامته ، ولا تجعله يحتاج يداً اخرى ، تحفظ بيته، وتستر عيبه ، وتغلق أبواب السر بإحكام لا يعرفه إلا من خلق قلبها .

 وهكذا ياسادة يتوج صبرها وفاء ويتزين وفاؤها عطاء وبينهما انعكاس كل منهم مرآة الآخر هي من جعلتك ستراً لها ، وأنت جنتها . وأنتِ ياسيدتي من ذكرها رسولنا الكريم عليه السلام ، وكرامتها ذُكرت في آيات الله . هؤلاء هن النساء السويات والرجال الأسوياء ؛ قدسوا هذا الميثاق ، تقاسما فيه بكلمة (كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته) ميثاق تقاسما كل مافيه ، إنها الزوجة تقف كجدار لا يتصدع ، تجيد الصبر بالعلن لكنها بالخفاء تحمل جبالاً من التعب دون أن تشتكي تُمسك خوفها بيد وزوجها بالأخرى ؛ كي لا يقع .

 تخفي دمعها حتى لا تثقل عليه عجزه وتستر وجعها خوفاً أن تتضاعف آلآمه ؛ هذه التضحيات الخفية لاتذكر بكتاب سيرة وإنما تكتب بالسماء بحروف من نور .

 هنا تتجسد مملكة من الوفاء.

 نروي بها قلباً إذا حب صمد ، واذا أُبتلي ثبت ، واذا أعطى غني . وهكذا تولد بنت الرجال لا تختبر بساعة رخاء بل تُصنع بساعة ابتلاء؛ فإن صبرت ارتفع قدرها ، وإن ثبتت كان لها بالسماء جذورها، وفي الأرض أثر لا يزول . هي التي تمسك يد زوجها حين ينهزم، وتعلي بيتها حين ينخفض ، وتبقى معه لا لإنها عاجزة عن الرحيل بل لإنها تربت على الصمود ، وأوفى من أن تتخلى ،وأقوى من أن تنكسر أمام الأيام ، وفي النهاية نقول وإن تتساقط البلاءات كثيراً ؛ تبقى بنت الرجال واقفة لاتسقط أمام امتحان الله ميثاقاً غليظا ، ارتفعت منزلته بكتاب الله فقال جلّ شأنه الأية (واخذن منكم ميثاقاً غليظاً ) فمن فهم هذا الميثاق وأقامه على الصبر والوفاء أدرك إن البيوت تُبنى بالرحمة لا بالقوة ، وبالثبات لا بالعابرين وأن الزوجين إن تحابا في الله ، وتصّبرا لأجل بعضهما ؛ فإن الله يتم لهما نعمته ويجعل بيتهما سكنا ً لا تعصف به المحن .

صحيفة إضاءات الشرقية الإلكترونية

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر المحتوى

ابراهيم حكمي
المدير العام
المدير الفني للموقع

شارك وارسل تعليق

أخبار مقترحة